المخالفات المرورية وفلسفة العقاب

أ‌. د/ صالح بن عبدالعزيز النصار

كلية التربية/  جامعة الملك سعود

تعد أنظمة وقوانين المرور الحديثة من أكثر الأنظمة والقوانين التصاقاً بحياة الناس نظراً لكثرة استخدامهم للسيارات والمركبات التي تساعدهم على الانتقال من مكان إلى آخر لقضاء حوائجهم المختلفة. وبسبب ظروف الناس وانشغالهم بمستجدات العصر فقد كثرت تجاوزاتهم لأنظمة السير وقوانين القيادة، ومن ثم كان لزاماً سن العقوبات المترتبة على مخالفة تلك القوانين والأنظمة، للمحافظة على أرواح السائقين أولا وأرواح عابري الطرق ثانيا، والمحافظة على الممتلكات العامة ثالثا.   
ويعرّف “العقاب” على أنه تقديم لمثير مؤلم غير مرغوب فيه أو سحب لمثير مرغوب فيه، والهدف من العقاب هو إزالة السلوك غير المرغوب فيه كلية أو التقليل منه قدر المستطاع.  ويتمثل تقديم المثير المؤلم غير المرغوب فيه في أنواع العقاب التي ينفر منها الإنسان ولا يطيقها إما جسدياً أو نفسياً أو كليهما معاً، مثل الحبس أو الجلد أو الغرامة المالية. وأما سحب المثير المرغوب فيه فهو مثل إيقاف السائق عن قيادة السيارة لفترة زمنية، أو سحب الرخصة مؤقتاً أو نهائياً، أو الحرمان من القيادة في أوقات أو أماكن أو ظروف معينة. والهدف من كلا النوعين من العقاب تعديل السلوك غير المرغوب فيه (السلوك المرتبط بقيادة السيارة أو استخدام الطريق) أو التقليل منه قدر المستطاع.

وتقوم فلسفة العقاب المروري على محاولة الربط بين الأحداث غير المحببة أو المؤلمة وبين الأحداث أو السلوكيات غير المرغوب فيها عند قيادة السيارة. مثلا، الربط بين دفع المبالغ المالية وبين عدم ربط حزام الأمان، أو السجن والحرمان من الحرية عند قطع الإشارة المرورية.
وتؤكد الأدبيات العلمية حول موضوع العقاب أنه لزيادة فعالية العقاب وسرعة تأثيره فإنه يجب إيقاع العقوبة بالمخالف بعد الوقوع في السلوك غير المرغوب فيه مباشرة ودون تأخير حتى يعرف الفرد لماذا عوقب، وحتى يتم زيادة مستوى الارتباط لدى الشخص (السائق في هذه الحالة) بين الوقوع في السلوك غير المرغوب فيه (مخالفة قوانين المرور) وبين الألم الذي يخلفه العقاب نتيجة فقد شئ محبوب مثل المال أو الوقوع في شئ مكروه مثل الحبس.

وبالنظر في العقوبات التي سنتها وزارة الداخلية لمعاقبة المخالفين لأنظمة وقواعد المرور نجد أنها تهدف إلى ردع الناس عن مخالفة تلك القوانين حفاظاً على أرواحهم وممتلكاتهم، ولكن طريقة تطبيقها تحدّ أحياناً من تحقيق أهدافها. فمثلاً، أن يقف جندي المرور عند الإشارة يتربص بمن لا يربط حزام الأمان (عمداً أو نسياناً) ومن ثم يقوم بتسجيل مخالفة مرورية عليه دون إشعاره في حينها بالخطأ الذي وقع فيه، أو يقوم رجل المرور بتصوير مخالفي الانعطاف أو السير في الخانة المحددة بجواله الخاص ومن ثم تسجيل المخالفة على السائق دون علمه، أو أن تقوم كاميرات (ساهر) المخفية برصد تجاوزات السائقين دون أن يلحظ السائقون ذلك، كل هذه الممارسات تعد خرقاً لأهم مبادى فعالية العقاب الذي أشير إليه سابقاً وهو إيقاع العقوبة مباشرة بعد الوقوع في السلوك غير المرغوب فيه. وللقارئ الكريم (أو للمسؤول في الإدارة العامة للمرور) أن يتخيل سائقاً يتم إشعاره بعد عدة أيام أو أشهر أو  ربما سنة (عند نقل الملكية أو تجديد الرخصة مثلاً) أنه قد وقع في مخالفات مرورية ومن ثم فيجب عليه دفع الغرامة المطلوبة أو التوقف عن قيادة السيارة، كيف سيكون رد فعل السائق في هذه الحالة؟ وهل سيتذكر المخالفة التي وقع فيها؟ أم هل سيقتنع لماذا عوقب؟ وما مدى تأثير تلك العقوبة في تعديل السلوك غير المرغوب فيه (عدم ربط حزام الأمان مثلاً)! ولا غرابة إذاً أن نرى استهتار بعض الناس بتلك المخالفات وبالعقوبات المترتبة عليها، كما لا غرابة أن نشهد تذمر الكثيرين من دفع الغرامات المالية وإساءة فهم الهدف من وراءها دون أن يغير ذلك من سلوكهم شيئاً.

بقي أن أشير إلى أن إيقاع العقوبة على السائقين لتعديل سلوكهم المروري الخاطئ دون تقديم النصح والتوعية والإرشاد الذي يسبق أو يلي المخالفة يفقد العقوبة الكثير من التأثير، بل وأيضا مساهمة السائقين في تحذير غيرهم من المخالفات التي يقعون فيها. فمثلا، الكثير من السائقين، خصوصا كبار السن، والأجانب، يفوتهم الكثير من التعليمات الصادرة عن الجهات المرورية حول أنماط وأساليب المخالفات المقرة حديثا، مثل الانعطاف يمين والإشارة حمراء، أو السير في الحارة المخصصة للانعطاف لمن لا يريد ذلك، وإيقاع المخالفة عليهم دون توضيح سبب المخالفة فور الوقوع فيها، وبلغة يفهمها السائق، سيجعل السائق عرضة لتكرار المخالفة مرة أخرى أو حتى مرات، لأنه لم يتلق التحذير والتوجيه والتوعية المناسبة. ومن هنا، أقترح على المسؤولين عن المرور في المملكة إرسال رسالة تحذيرية واضحة للسائق عند مخالفته للمرة الأولى تنبهه إلى وقوعه في مخالفة مرورية وتطلب مه عدم تكرار ذلك، من مثل: “عزيزي السائق، لقد ارتكبت مخالفة مرورية تتمثل في الانعطاف يمين والإشارة حمراء، راجين عدم تكرار ذلك لسلامتك وسلامة الآخرين”. ومن هنا يحصل الوعي المروري المطلوب، ويتفهم السائقون سبب إيقاع المخالفة عليهم.    
ومع تمنياتي لجميع العاملين في قطاع المرور بالتوفيق، فإني أرجو التأمل قليلاً فيما ذكر. والله من وراء القصد. 

الدكتور صالح النصار

يشرف على المكتب سعادة الأستاذ الدكتور صالح بن عبد العزيز النصار ولديه خبرات تزيد عن (٢٠ عاما) في مجالات تأسيس المراكز العلمية والوطنية، ورسم السياسات والخطط الاستراتيجية، وتقديم الاستشارات الإدارية والفنية لعدد من الوزارات والجهات الحكومية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *