العناية بالشباب السعودي: من جهود منفصلة إلى استراتيجية وطنية شاملة

العناية بالشباب السعودي:


من جهود منفصلة إلى استراتيجية وطنية شاملة

أ‌. د/ صالح بن عبدالعزيز النصار
كلية التربية/  
جامعة الملك سعود

          
تعد رؤية المملكة (2030) المنطلق الاستراتيجي ذا الأهداف المحددة والواضحة للعمل على تسخير جميع الإمكانات والموارد المتاحة لبناء المواطن الواعي المتعلم الشغوف المبتكر، وتسخير حماس الشباب ودافعيتهم في العطاء والإنتاج، والإسهام المشرّف في المحافل والفعاليات والأنشطة المحلية والدولية. هذا إضافة إلى تخصيص جزء من ميزانية الدولة لإنشاء وتطوير البنى التحتية (النوعية) التي تلبي احتياجات الشباب في المجالات التعليمية والثقافية والتقنية والصحية والترفيهية، ونشر الأندية والمراكز الرياضية وبيوت الشباب في جميع مناطق المملكة ومحافظاتها، والتوسع في إنشاء الساحات والمراكز الرياضية والاجتماعية في الأحياء، وبناء المتاحف والمعاهد الفنية التي تسهم في صقل مواهب الشباب وتنمي مهاراتهم في شتى المجالات. فهذه الرؤية تعكس المفهوم الحديث للتنمية التي تقرُّ بأنَّ الإنسان هو محور التنمية وغايتها ووسيلتها، وبأهمية الاستثمار في الشباب ضمن عملية التنمية؛ لما في ذلك من مردود إيجابي في جميع مجالات الحياة.
ومع كل الجهود الملموسة في الرقي بالشباب إلا أنه لا توجد حتى الآن استراتيجية وطنية شاملة تنتظم فيها كل المبادرات والبرامج الموجهة للشباب. ويقصد “بالاستراتيجية الوطنية للشباب” الوثيقة الرسمية المبنية على أسس علمية والتي تحوي منظومة مترابطة من التوجهات والأهداف والبدائل والخيارات والبرامج والمشروعات الموجهة للشباب؛ ليكونوا قادرين على مواجهة المستقبل بجميع تطوراته ومتطلباته بكل كفاءة واقتدار”.
وتمثل الاستراتيجية الوطنية للشباب رؤية شاملة ومتكاملة وإطار عمل لتنمية الشباب، وتحدِّدُ مجموعة من القيم والمبادئ التوجيهية التي تعكس التخطيط السليم لحاضرهم ومستقبلهم. هذا إضافة إلى أنّ الاستراتيجيات الوطنية للشباب تمثل إعلاناً والتزاماً وطنيَّين منْ قِبَل الدول بالأولويات والدعم الذي تعتزم الحكومات تقديمَه لفئة الشباب، بدعم ومساندة من مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاصّ.


وقد صدرت التوجيهات السامية في عام 1431هـ (2010م) لوزارة الاقتصاد والتخطيط بإعداد استراتيجية وطنية للشباب، بمشاركة عدد كبير من الجهات الحكومية على رأسها الرئاسة العامة لرعاية الشباب (سابقا). إلا أن هذه الاستراتيجية لم تقر حتى الآن، ربما لأنها لم تتوافق بالشكل المطلوب مع احتياجات الشباب التنموية، أو لأن برامج ومبادرات رؤية المملكة قد ترجمت معظم الأهداف الموجهة نحو الشباب.  ولو قدر لهذه الاستراتيجية أن ترى النور فستكون المملكة العربية السعودية الدولة الثالثة عربيّاً التي تنضمُّ إلى خمسين دولة في العالم اختارَتْ وضع استراتيجية وطنية للشباب خاصَّة بها لتحقيق الأهداف الآتية:

  1. إيجاد إطار شامل ومتكامل لتنمية الشباب السعودي، وتحقيق طموحاتهم، وتلبية متطلباتهم، وفقا للأولويات الوطنية.
  2. توفير إطار ومنهج يشمل توجهات عامة تسهل عملية الانتقال من النظرية إلى التطبيق في مجالات ومحاور تتعلق بالشباب.
  3. توفير منهج عملي لتعزيز الانتماء الوطني لدى الشباب، والحفاظ على الهوية الوطنية للمملكة.
  4. تفعيل التعاون والشراكة بين القطاعات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص من أجل تخطيط متكامل يعتمد منهجية التشارك الحقيقي في تحديد الأدوار والمسؤوليات تجاه الشباب.
  5. تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، وزيادة فرص الوصول إلى الخدمات ذات النوعية التي تضمن فرصا متكافئة وحياة آمنة للشباب، بغض النظر عن الجنس أو العمر أو المستوى الاجتماعي. 
  6. جعل محاور الاستراتيجية الوطنية للشباب أساساً للبحوث والتقييم والمتابعة من خلال وضع المؤشرات والمعايير التي تنبثق عن محاورها.

وتنطوي فلسفة تطوير الاستراتيجية الوطنية للشباب على اعتبار الشباب (الذكور والإناث) المستهدفون الرئيسيون بهذه الاستراتيجية، ومشاركتهم تعدُّ مبدأً حيوياً لصياغة الأنشطة والبرامج في مختلف محاور الاستراتيجية، سواءً أكان ذلك عبَر التعبير المباشر عن آرائِهم وطموحاتِهم وأفكارِهم، أم عبر التعبير غير المباشر.
وتنبثق أهمية الاستراتيجية الوطنية للشباب من الحاجة الماسة إلى تحقيق أعلى المكاسب التنموية من ارتفاع معدلات الشباب في المملكة العربية السعودية، وإحداث نقلة في المواصفات النوعية والكمية للبرامج الموجهة للشباب، حتى يكونوا قادرين على مواكبة حركة التغيير والتنمية المتسارعة، ويظهروا التفاعل الإيجابي مع متطلبات اقتصاد المعرفة الذي يتبلور حولهم. ومن المكاسب التي يمكن تحقيقها محليا من صياغة استراتيجية وطنية للشباب ما يلي:

  1. تشكل الاستراتيجية الوطنية للشباب إطاراً عاماً يمكن الاسترشاد به في وضع برامج وأنشطة تناسب احتياجات جميع الفئات العمرية، وفي مختلف مناطق المملكة، بالتعاون مع القطاعات الحكومية ذات العلاقة، والقطاع الخاص، والقطاع الخيري، لمساعدة الشباب على مواكبة حركة التغيير والتنمية المتسارعة في المملكة، وإظهار التفاعل الإيجابي مع متطلبات اقتصاد المعرفة الذي يتشكل حولهم.
  2. تسهم الاستراتيجية الوطنية للشباب في التصدي لمشكلات الشباب السعودي ذات العلاقة بالبطالة، واستغلال وقت الفراغ، ومعالجة المشكلات السلوكية، وتأخر سن الزواج، ونقص الثقافة المهنية، وغيرها من المشكلات التي تؤدي إلى محدودية دورهم في التنمية. 
  3. تسهم الاستراتيجية الوطنية للشباب في تعزيز الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية لرؤية المملكة (2030) والبرامج المنبثقة عنها، وذلك من خلال الارتقاء بسلوكيات الشباب السعودي ومهاراتهم وقيمهم، وتفعيل دورهم في المجتمع.
  4. تؤدي الاستراتيجية الوطنية للشباب إلى ترسيخ رغبة الشباب وقدرتهم على التعلم والتدريب والعمل، حيث يؤدي تعزيز هذه المنظومة الثلاثية إلى تهيئة البيئة المؤاتية لنجاح استراتيجيات التنمية المختلفة، خصوصا استراتيجية التحول إلى مجتمع المعرفة، وغيرها من الاستراتيجية الوطنية المؤثرة في التنمية.

 
ليس هذا فحسب، بل إن الاستراتيجية الوطنية للشباب تعد من أهمّ المبادرات التي تتخذها المملكة العربية السعودية للعناية بفئة الشباب، والتخطيط السليم لحاضرهم ومستقبلهم. وهي تمثل إعلانا والتزاما وطنيا ودوليا بالأولويات والدعم الذي تعتزم الدولة تقديمه للشباب، انسجاما مع القرارات والتوصيات الدولية الرامية إلى تشجيع الدول على إعداد سياسات وطنية للشباب. وفي هذا الإطار يجدر الإشارة إلى المنطلقات الدولية التي تحفز على المبادرة في إعداد استراتيجية وطنية للشباب، ومن ذلك ما يلي:  

  1. أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن تعمل كافة الدول الأعضاء، وهيئات الأمم المتحدة، والوكالات المتخصصة، واللجان الإقليمية، والمنظمات الحكومية والدولية والمنظمات غير الحكومية المعنية، وخصوصا منظمات الشباب، على تشجيع تطوير سياسات تستهدف الشباب، وعلى إدماج هذه السياسات في خطط التنمية الوطنية، واتخاذ ما يلزم لتمويل هذه السياسات.  
  2. سميت الفترة (1985 -1995م) “بعقد الأمم المتحدة للشباب” وتم دعوة الحكومات لإعادة تقييم وضع السياسات والبرامج والخدمات المختلفة للشباب التي تقدمها القطاعات الحكومية وغير الحكومية، ومراجعتها حسب الضرورة، وإلى تطوير سياساتها تجاه الشباب في استراتيجية وطنية شاملة للشباب. 
  3. بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لما يسمى “السنة الدولية للشباب” اعتمدت الجمعية العامة في (14 ديسمبر 1995م) “برنامج العمل العالمي للشباب حتى سنة 2000 وما بعدها”. وبواسطة هذا البرنامج، سعت الجمعية العامة للأمم المتحدة ليس فقط لتقديم توصيات عامة، ولكن أيضا مقترحات محددة للعمل أهمها: ضرورة وضع سياسة وطنية متكاملة للشباب. ويتضمن برنامج العمل العالمي للشباب خمسة عشر مجالا ذا أولوية، هي: الفقر، والبطالة، والتعليم، والصحة، وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، والعولمة، ومشاركة الشباب في المجتمع وفي صنع القرار، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وإساءة استعمال المخدرات، وقضايا الفتيات، والقضايا المشتركة بين الأجيال، وجنوح الأحداث، ونشاطات وقت الفراغ، والنزاع المسلح، والبيئة.
  4. في العام (1998م) صدر “إعلان لشبونة بخصوص سياسات وبرامج الشباب”، وفيه التزم الوزراء المسؤولون عن الشباب في الوفود المشاركة في المؤتمر بضمان صياغة السياسات الوطنية الشبابية، والالتزام بذلك على أعلى المستويات السياسية، بما في ذلك توفير مستويات كافية من الموارد تدعم برامج الاستراتيجية الوطنية للشباب.
  5. في قرارها رقم 120/54 في عام (1999م) اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة توصيات “إعلان لشبونة”، وبموجب هذا القرار شجعت الجمعية للأمم المتحدة اللجان الإقليمية التابعة للأمم المتحدة لمتابعة توصيات المؤتمر العالمي للشباب، وتقديم خدمات استشارية لدعم وتنفيذ سياسات وطنية للشباب في جميع الدول.
  6. في شهر ديسمبر من عام (2004م)، نظمت منظمة اليونسكو مؤتمرا إقليميا لسياسات الشباب الوطنية في الشرق الأوسط وشمال إفريقية بالتعاون مع اليونيسيف والمجلس العالمي لسياسات الشباب الوطنية، بهدف تبادل الخبرات والتجارب المتعلقة بتطوير الاستراتيجيات الوطنية للشباب.
  7. في العام (2010م) أعلنت الأمم المتحدة “السنة الدولية للشباب”، وفي السنة نفسها نٌظِّم المؤتمر الدولي للشباب في المكسيك من 23  -27 أغسطس من ذلك العام، وذلك بمشاركة الدول والمجتمع المدني والشباب أنفسهم.  
  8. في (٢٥ و٢٦ يوليو ٢٠١١م) عُقِد في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك اجتماعا رفيع المستوى ضم رؤساء الدول والحكومات والوزراء وممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بشأن موضوع: ”الشباب: الحوار والتفاهم“. وقد جاء هذا الاجتماع رفيع المستوى بوصفه الحدث الأهم في السنة الدولية للشباب.  ومن أهم النقاط التي وردت في وثيقة هذا الاجتماع: تشجيع الدول الأعضاء على مواصلة وضع سياسات وطنية فعّالة للشباب وتنفيذها ورصدها وتقييمها، آخذين في الاعتبار السياق الثقافي لكل منها فيما يتصل بالنهوض بالشباب، وتعزيز البرامج الإقليمية ذات الصلة بالشباب.
  9. في 11  -21 فبراير (2014م) أصدرت لجنة التنمية الاجتماعية ضمن المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة في الدورة الثانية والخمسون، في إطار ما تم بشأن التزام الدول الأعضاء وكيانات الأمم المتحدة بتنفيذ برنامج العمل العالمي للشباب، تقريرا تضمن قيام المملكة العربية السعودية بإعداد استراتيجيتها الوطنية الأولى للشباب تمشيا مع خطتها الخمسية التاسعة (ص 5). 
  10. في الفترة (7  -10 مايو 2014م) عقد المؤتمر العالمي للشباب في مدينة كولومبو عاصمة جمهورية سريلانكا تحت عنوان: تعزيز الشباب في عمليات صنع القرار في وضع وتنفيذ جدول أعمال التنمية للعام 2015 وما بعده. وشاركت المملكة العربية السعودية بوفد في هذا المؤتمر، إضافة إلى مشاركة وزراء ومسؤولين حكوميين على أعلى المستويات من أكثر من 40 دولة، ووفود من الشباب يمثلون 169 دولة، وهو ما جعل من المؤتمر واحدا من أكثر المنتديات العالمية تمثيلا للشباب على مستوى العالم. ونتج عن هذا المؤتمر العالمي للشباب عدد من التوصيات، منها:
  • تعزيز الحوار بين الأجيال لتعزيز مشاركة الشباب في التنمية دوليا وإقليميا ومحليا.
  • تعزيز الالتزام بالسياسات والاستراتيجيات الشبابية، وزيادة مشاركة الشباب فيها.
  • تعزيز الجهود الحكومية لدعم تأسيس المجالس الشبابية الوطنية.
  • تشجيع المدن والعواصم الصديقة للشباب.
  1. في (24 أكتوبر 2014م) عقد في أذربيجان “المنتدى العالمي الأول للسياسات الشبابية” برعاية وحضور رئيس جمهورية أذربيجان، ومشاركة عدد كبير من الوزراء والمسؤولين والخبراء في مجالات الشباب من معظم دول العالم، وشاركت في هذا المنتدى بوصفي مديرا للاستراتيجية الوطنية للشباب في وزارة الاقتصاد والتخطيط. ونتج عن المنتدى ما يسمى ” التزام باكو تجاه سياسات الشباب” والذي نص على مجموعة عناصر أهمها: إطلاق مبادرة دولية لدعم السياسات الوطنية للشباب، يتم العمل من خلالها على تقديم دعم فني للدول لبناء سياسات واستراتيجيات وطنية للشباب، والاستثمار في البحوث المعنية بالشباب، وفي التجارب الناجحة، ونشر هذه التجارب على المستوى الدولي.
  2. وفي يوم الاثنين 24 سبتمبر (2018)، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “استراتيجية الأمم المتحدة للشباب: شباب 2030” لتوجيه منظومة الأمم المتحدة بأسرها، وتوسيع نطاق عملها لتمكين الشباب من تحقيق كامل إمكاناتهم، ولدعم حقوقهم وضمان انخراطهم ومشاركتهم في تطبيق ومراجعة أجندة التنمية المستدامة التي اتفق قادة العالم على تحقيق أهدافها بحلول عام 2030.

أخيرا، فإن الأمل معقود في إعادة النظر في “الاستراتيجية الوطنية للشباب” وتحديثها وتطوير برامجها ومشروعاتها لتعبر “بحق” عن طموحات الشباب وآمالهم، وتسهم في تفعيل دور الشباب للمشاركة في عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة التي تشهدها المملكة. هذا فضلاً عن تكامل هذه الاستراتيجية مع جميع الاستراتيجيات التنموية والبرامج المنبثقة عن رؤية المملكة (2030)، وأيضا تكاملها مع استراتيجية الأمم المتحدة للشباب “شباب 2030″، فالشباب السعودي جزء مهم ومؤثر من شباب العالم، ومحور أساس يتقاطع مع جميع محاور التنمية، ومتغير مهم في نجاح أية إستراتيجية تستهدف التنمية على المنظورين القريب والبعيد.

الدكتور صالح النصار

يشرف على المكتب سعادة الأستاذ الدكتور صالح بن عبد العزيز النصار ولديه خبرات تزيد عن (٢٠ عاما) في مجالات تأسيس المراكز العلمية والوطنية، ورسم السياسات والخطط الاستراتيجية، وتقديم الاستشارات الإدارية والفنية لعدد من الوزارات والجهات الحكومية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *